نشر بتاريخ: 12 تشرين الثاني 2008
ورقة مقدمة إلى "لقاء الشباب العربي القيادي: حول تفعيل أدوار الشباب في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية "
جامعة الدول العربية/القاهرة – 2008
إعداد: رشا رأفت فتيان / مؤسسة تعاون لحل الصراع - فلسطين
اسمحوا لي بداية أن استعير شعار الأمم المتحدة في العام 2007، والذي يربط ما بين الشباب والتنمية: " كونوا مسموعين .. كونوا مرئيين .. مشاركة الشباب في التنمية "،
وكذلك أن استعير في مقدمة مداخلتي هذه ما ورد في تقرير الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء، بمناسبة اليوم العالمي للشباب ، من أن الخطاب حول الشباب يتسم بالجمع بين التفاؤل والتخوف: التفاؤل إزاء المستقبل وإمكانيات التغيير الايجابية التي قد يحدثها الشباب، والتخوف من عبء المسئولية تجاه مطالبهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
إن مداخلتي ستتناول اليوم المحاور التالية:
1. مفهوم التنمية بالمشاركة،
2. واقع الشباب الفلسطيني والذي يتناول مفهوم الشباب ، التحديات التي يواجهها الشباب، نماذج تطبيقية من التجربة الفلسطينية على العلاقة ما بين المشاركة الشبابية والتنمية، مع أهمية التركيز على المشاركة الشبابية،
3. توصيات تتناول التوجهات وكذلك السياق الواجب العمل على تغييره وتطويره، في مستويين: مستوى المشاركة الشبابية، ومستوى التنمية بالمشاركة، وهل هنالك من مشاركة حقيقية للشباب؟ وهل يتعامل الوطن العربي بدوله المختلفة مع مفهوم التنمية بالمشاركة؟
أولا: مفهوم التنمية بالمشاركة:
مفهوم التنمية هو أحد المفاهيم الحديثة نسبيا حيث بدأ ظهور هذا المفهوم في بدايات الثمانينات من القرن الماضي وقد تطور هذا المفهوم واتسع في مضامينه ليشمل التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية والتنمية البشرية.....الخ، وقد ارتبط مفهوم التنمية بمبدأ استدامة الموارد سواء كانت موارد بشرية أو موارد طبيعية انطلاقا من أن التنمية الحقيقية هي التنمية التي تقوم على أساس الحفاظ على استمرارية الموارد لتحقيق الازدهار والتطور للأجيال الحالية وكذلك تلبية احتياجات الأجيال القادمة. ويستند مفهوم التنمية المستدامة إلى مجموعة من المبادئ الرئيسية من أهمها إضافة إلى مبدأ العدالة والإنصاف وكذلك مبدأ المسالة والمحاسبة، مبدأ التنمية بالمشاركة او ما يعرف أيضا بمبدأ التمكين بحيث تكون هنالك مشاركة في عملية صنع القرار وخاصة فيما يتعلق بالمشاريع التنموية. هنالك ثلاثة قواعد للتنمية بالمشاركة: المعلومات، بناء القدرات وتأسيس الشبكات لنشر المعرفة[1]. إن المعلومات النظرية والعملية ( المطبوعات، الأمثلة العملية، أشرطة الفيديو، .. الخ) هي أول مراحل الترويج للتنمية بالمشاركة، وعلى ضوء هذه المعلومات يتم بناء الجانب الثاني من التنمية بالمشاركة والمتمثل بتنمية القدرات، المتمثل بالدورات التدريبية، ورشات العمل، التقييم السريع بالمشاركة وغيرها الكثير من مكونات برامج بناء القدرات. أما الجانب الثالث فيتمثل ببناء الشبكات التي من خلالها يمكن تعميم التجربة والحفاظ على الاستمرارية والتطور، و وجود دليل على الانترنت " دليل المنظمات التي تطبق أساليب التنمية بالمشاركة في الوطن العربي، ويضم هذا الدليل حاليا 160 منظمة تمثل 20 دولة في الوطن العربي.
ثانيا: واقع ومشاركة الشباب الفلسطيني:
لقد أشار الموقع الالكتروني المهتم بالترويج للتنمية بالمشاركة في الوطن العربي إلى ثلاثة برامج في فلسطين: برنامج أعمار البلدة القديمة في الخليل، مشروع إشراك المنظمات الأهلية في تصميم وتنفيذ المشاريع والممول من البنك الدولي، ومشروع القروض الفردية لتشطيب وبناء البيوت في مدينة القدس المحتلة. إن من المهم قبل تناول العديد من البرامج وتسليط الضوء على نشاط العديد من المؤسسات الأهلية الفلسطينية التي تعتمد التنمية بالمشاركة أن نتناول بشيء من الاختصار واقع الشباب الفلسطيني والذي يأتي على النحو التالي:
1. الواقع الديمغرافي: يعرف الشباب بأنهم السكان في الفئة العمرية ( 15 – 29 ) حسب الإحصاء المركزي الفلسطيني مع ملاحظة أن هنالك اختلاف وجدل حول الفئة العمرية للشباب بحيث يقصر البعض من هذه الفئة والبعض الأخر كالجامعة العربية يصل بالشباب إلى عمر 30 عاما. تشير الإحصائيات إلى أن الشباب في هذه الفئة العمرية حوالي 27%، وعليه فان أي عملية تنموية لا تشرك " ربع المجتمع تبقى عملية قاصرة "،
2. الشباب والرغبة بالهجرة: لقد أظهرت العديد من الإحصائيات وجود رغبة لحوالي ثلث الشباب بالهجرة ( 45% بين الذكور و 18% بين الإناث )، وعند البحث بالأسباب التي دعتهم للتفكير بالهجرة نجد أن السبب الرئيسي هو الوضع الاقتصادي، يلي ذلك عدم توفر الأمن والأمان، ثم الأسباب السياسية ثم الأسباب الاجتماعية. إن معالجة هذا الأمر بشكل جذري يعني أن تأخذ عملية التنمية، على الصعيد الفلسطيني هذه الأسباب، ولعل خطة الإصلاح والتنمية الفلسطينية للأعوام ( 2008 – 2010 ) تحاول ذلك من حيث أنها خطة ترتكز على أربعة غايات تنموية وهي: الحكم الرشيد، البنية التحتية، التنمية الاقتصادية، التنمية الاجتماعية،
كما أن برامج كل من القطاع الخاص والأهلي تستهدف هي الأخرى المعالجة الجذرية للأسباب التي تقف حائلا أمام العملية التنموية، مع الأخذ بعين الاعتبار العائق الجذري للتنمية الفلسطينية في كافة صعدها: الاحتلال الإسرائيلي بكل ممارساته من ضم للأراضي، تهويد وفصل للقدس، بناء للجدار العنصري، الحواجز والطرق الالتفافية والمستوطنات. لقد علق احد التجار في مدينة نابلس لوفد ألماني يزور المدينة لتقديم الدعم المالي للقطاع الخاص، حيث قال: لقد تراجع الوضع الاقتصادي في المدينة خلال أول عامين من الحصار على المدينة إلى أكثر من النصف، وهجرت المدينة الكثير من الصناعات والتجارة، إن إزالة حاجز عسكري ( في إشارة إلى حاجز حوارة الذي يعزل ويخنق المدينة ) عن أبواب المدينة له اثر اقتصادي أكثر واهم وأكثر ديمومة من عشرات الملايين التي تقدمونها والتي يأتي الاحتلال في اليوم التالي ليلغي أي اثر لها. وهو الأمر الذي دفع الكثير من المثقفين الفلسطينيين إلى إثارة السؤال عن الجهود التنموية في ظل الاحتلال الإسرائيلي.
3. التعليم والثقافة: إن هنالك توجها بنسبة عالية إلى التعليم في ذات الوقت الذي نشهد فيه تسربا في الفئة العمرية ( 15-29) قد بلغت في نهاية العام 2006، حوالي 32%. كما إن هنالك نسبة أكثر من النصف من مستخدمي الانترنت، غالبيتهم من الذكور ( 79%) في حين أن 47% من الإناث، لقد استهدفت خطة الإصلاح والتنمية العمل على تقليل نسبة التسرب في جانب وكذلك العمل على رفع نسبة مستخدمي الانترنت وخاصة بين الفتيات، وهو الجهد الذي تسانده العديد من المؤسسات الأهلية عبر الدورات التدريبية التي تقسمها وكذلك عبر مراكز الانترنت التي تفتتحها في المناطق الريفية وفي المخيمات. إضافة إلى ما سبق هنالك من المؤسسات كمؤسسة تامر للتعليم المستمر ومركز إبداع المعلم وغيرهما الكثير من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، والتي تهتم بالمشاركة الشبابية في العملية التعليمية من خلال تطوير مقاربة التعليم بالمشاركة بديلا للتلقين والتقليد، وأهمية هذه المشاركة عبر هذه المقاربة في العملية التنموية، وهو ذات الأمر الذي تقوم به وزارة شؤون المرأة من خلال التركيز على مشاركة المرأة في العملية التعليمية، وعدم اقتصار دراسة الفتيات على بعض التخصصات والمجالات التي تحاول الحد من عطاء المرأة التنموي ووضعها في إطار ذهني مسبق وجامد، يحد من إبداعها ومشاركتها ومساهمتها في العملية التنموية.
4. الشباب وسوق العمل والفقر: وهو ما يمكن اختزاله بمشاركة شبابية متدنية ومعدلات بطالة عالية، ونسبة فقر عالية وخاصة في قطاع غزة. لقد استهدفت برامج المؤسسات الأهلية هذا الأمر لأهميته، فقد أطلقت مؤسسة تعاون لحل الصراع ومنذ العام 2003 برنامج الشباب والبطالة والذي هدف إلى التأثير في سياسات وخطط المؤسسات الحكومية والأهلية والقطاع الخاص باتجاه تشغيل الشباب والحد من البطالة بين صفوفهم، كما ان برنامج " خطوة للإمام " والذي تنفذه مؤسسة شارك، الذي يحاول الربط ما بين سوق العمل ومهارات ومعارف الخريجين وبالشراكة مع المؤسسات الجامعة والأهلية والقطاع الخاص، إن كل ما سبق وغيره كالبرامج التشغيلية التي ينفذها اتحاد الشباب الفلسطيني وكذلك البرامج الشبابية التي تنفذها جمعية الشبان المسيحية، يمثل أمثلة حية على الدور التنموي الذي تلعبه مؤسسات المجتمع المدني وكذلك المشاركة الشبابية في سوق العمل في العملية التنموية. كما أن هنالك مؤسسات حكومية وأهلية كمؤسسة العمل النسوي ولجان المرأة للعمل الاجتماعي ووزارة الشؤون الاجتماعية وغيرهم الكثير، والتي تهتم بمشاركة النساء اللواتي يرأسن أسرهن ( خاصة في ظل غياب الآباء في غياهب السجون الإسرائيلية ) من خلال برامج تشغيلية تنموية،
5. الشباب والمشاركة في الحياة العامة: حيث يرى الشباب الفلسطيني بان تفعيل المشاركة الاجتماعية والمهنية والمدنية والسياسية يحتل المرتبة الأولى. إن من المهم الانتباه إلى نسبة المشاركة الشبابية العالية في الحياة السياسية الفلسطينية وهو ما يمكن الاستدلال عليه بالنسبة العالية للمصوتين في الانتخابات التشريعية الثانية حيث بلغت 66%، وكذلك نسبة الشباب المعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي حيث يوجد حاليا حوالي 11 ألف معتقل النسبة العظمى منهم من الشباب في هذه الفئة العمرية. لقد ساهم المجتمع المدني الفلسطيني في الانتخابات الرئاسية والتشريعية برفع نسبة مشاركة الشباب في هذه العملية من خلال حملة " علي صوتك " والتي أطلقتها العديد من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، إضافة إلى الورشات التثقيفية بالنظام الانتخابي المختلط وأهمية مشاركتهم في عملية التصويت. إضافة إلى ما سبق يسجل لمؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني وتحديدا الشبابية منها محاولتها العمل على تحسين هذه المشاركة ليس " تصويتا " فقط، وإنما " تمثيلا " من حيث تقليل عمر الترشيح للشباب ( لقد تم التعديل من 30 عام إلى 28 عام ، وما زالت المنظمات الشبابية تنظر إلى تقليل عمر الترشيح إلى 25 عام ). كما أن نظام الكوتا الذي عملت مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني على إدماجه في النظام الانتخابي الفلسطيني للانتخابات المحلية والتشريعية قد ضمن مشاركة النساء بنسبة لا تقل عن 20% من هذه المجالس. لقد خاضت هذه المؤسسات هذه المعركة تحت شعار وقناعة: " ان تنمية المرأة تمثل تنمية لكل المجتمع "،
ثالثا: توصيات:
إن من المهم الانطلاق في صياغة التوصيات من مفهوم أن الشباب ليسوا " فئة مستهدفة " وإنما هم " شركاء وهدف "، لقد ذهبت البرامج الحكومية وغير الحكومية ( السلوك تجاه الشباب ) في المراحل السابقة إلى استهداف الشباب، واتخاذ القرار بالنيابة عنهم، وهو الأمر الذي اثبت عدم جدواه وعدم فاعليته. كما ان المرحلة السابقة قد اتسمت بسيطرة الخطاب النظري الوردي الواعد ( السلوك تجاه الشباب ) دون أن نجد ترجمة لهذا الخطاب في الواقع العملي ( غياب التغيير في التوجهات وكذلك عدم التغيير في السياق – تغيير سلبي يكتفي بالحديث فقط عن تغيير السلوك ). وعليه وحتى يشارك الشباب وتكون لهذه المشاركة الآثار التنموية الفاعلة فانه لا بد من تغير في " التوجهات " نحو الشباب باتجاه أن الشباب هم شركاء اليوم حتى يكونوا قادة الغد، وأننا أهل للثقة والمسؤولية وأننا قادرون على صياغة حاضرنا ومستقبلنا دون وصاية، وأننا هدف للعملية التنموية كما أننا وسيلتها الفاعلة. كما أن من المهم أن يتم العمل على تغير " السياق " الذي تتم فيه عملية المشاركة الشبابية والتنمية. ليس من السهل أن يشارك الشباب في ظل مجتمع أبوي .. مجتمع الرأي الواحد .. مجتمع تسيطر فيه العائلة والعشيرة والقبيلة .. مجتمع يعاني فيه المجتمع المدني من ضعف ووهن .. وفي ظل غياب حقيقي للديمقراطية وعيا وممارسة وسيطرة حالة من التوريث السياسي في النظام السياسي العربي، كما انه من غير الوارد أن يشارك الشباب بفاعلية في ظل حالة القمع للحريات الفردية والجماعية، وفي ظل انشغال المواطن العربي بلقمة العيش بسبب الفقر والبطالة. وعليه فان تغيير السياق يعني تغييرا يمس البنى السياسية ، الاجتماعية ، الثقافية ، الاقتصادية والقانونية وبالشكل الذي يربط بشكل جدلي واع ما بين المشاركة الشبابية والتنمية. إن التغيير الايجابي في التوجه نحو الشباب وكذلك في السياق الذي يعيش فيه الشباب يعني بلغة أخرى توفير بيئة ايجابية للمشاركة أو ما أسميناه عند الحديث عن مفهوم التنمية بالمشاركة بالتمكين. إن المطلوب منا العمل على تمكين الشباب في عملية صنع القرار بدءا من الأسرة ، مرورا بالمؤسسات التعليمية .. إلى مؤسسات المجتمع المحلي .. وصولا إلى المؤسسات السياسية والتشريعية .. إلى مراكز صنع واتخاذ القرار المتقدمة .. إن عمل ذلك يعني أننا نسير بالاتجاه الصحيح .. باتجاه المستقبل الواعد والمنشود .. هذا ما أتمناه واعمل على تحقيقه .. وهذا ما أوصي مؤتمركم هذا أن يعمل على تحقيقه وانجازه.