مراجعة في كتاب الوساطة في حل النزاع

نشر بتاريخ: 13 أيار 2008     

 

بقلم: هاني سميرات – تعاون لحل الصراع

فلسطين / 2007

 

سيليكو, كارل. ( 1999 ). عندما يحتدم الصراع  دليل عملي لاستخدام الوساطة في حل النزاعات . "ترجمة د. علاء عبد المنعم ". القاهرة: الدار الدولية للنشر والتوزيع.

هو الكاتب والمؤلف الأمريكي الشهير كارل أ سليكو  عمل بالتدريس   في علم النفس  في العديد من الجامعات وهو حاصل على  درجة الماجتستير  والدكتوراة في علم اللاهوت الإنساني   وهو رئيس  مؤسسة كوردا لادارة النزاع له العديد من المقالات التي تعنى بإدارة النزاع وحل الصراع. وتجدر الاشاره هنا إلى أن المؤلف ينتمي إلى مدرسة حل الصراع  والتي تنطلق من قاعدة الحد وتجنب حدوث العنف مستقبلا عبر تعزيز التغييرات  السلوكية الحديثة للأطراف المشاركة   ومن رواد هذه المدرسة   جون بورتون .

بنيه الكتاب:

     جاء الكتاب في 18 فصلا حيث يقع في 352 صفحة يبتدء المؤلف   بالتعريف عن المفاهيم الأساسية للوساطة مرورا بمجموعه من أساسيات الإعداد للوسيط ورسم شبكة تحليل النزاع وإجراءات عقد الاجتماعات الافتتاحية والخاصة والمغلقة وانتهاءها بوضع الحلول واختتام عمليه الوساطة. كما يشمل الكتاب في فصوله الثلاث الاخيره أشكالا مختلفة للتعامل مع النزاع   ودعوة عامة للوسيط

وشمل الكتاب صورا عديدة من التجارب الحية التي خاضها المؤلف كوسيط والتي تساعد في إدراك اكبر وأعمق لمفهوم الوساطة وأثرها في منع الخلافات والنزاعات كما تمثل هذه التجارب استفادة حقيقية لدور الوسيط.

الهدف الأساسي من الكتاب

 

  يأتي كتاب الوساطة في حل النزاع كأحد أهم كتب علم الوساطة في حل النزاع وذلك لأنه يحوي على الخطوات الاساسيه لمفهوم علم الوساطة كشكل من أشكال حل النزاع

ويهدف الكتاب الذي يقع في352 صفحة إلى تحقيق عدة أهداف منها أن يكون بمثابة مقدمة في فهم علم الوساطة كأحد أهم أشكال حل النزاع  كما يهدف إلى  تعريف القارئ بأسس وأهداف واستراتيجيات    واليه عقد الوساطة,  والكتاب بمجمله يهدف إلى تكوين  المبادئ الاساسيه والضرورية .لإعداد الوسيط  إعدادا كامل.

 

 وبشكل عام يعد الكتاب مساهمة مهمة في فهم وإدراك المفاهيم الاساسيه للوساطة والقواعد الأولى والضرورية لإعداد الوسط. سيجد من يقرأه فائدة لا تقدر فهو متنوع وشاملا أيضا لكثير من النظريات التي تهم الجميع بالإضافة إلي التطبيقات العملية   بالثقافة  التي يحتويها

نظرة نقدية في محتوى الكتاب:  

  كما تم الاشاره مسبقا فان الكتاب جاء للتعريف بمفهوم علم الوساطة   كأحد الأشكال الودية في حل النزاع وإفراد الوساطة هنا تحت مسمى علم هو بحد ذاته نقله نوعيه في العلوم الإنسانية واثراءا للمكتبة العالمية في أساسيات التعامل مع النزاع وبلا شك فقد فتح هذا الكتاب العديد من الأبواب أمام المختصين والمعنيين بمتابعة وتحديث هذا العلم كونه يشكل احتياج رئيسي لكافة أشكال الحياة اليومية ولان النزاع – الصراع – هو جزء من كافه أشكال الحياة اليومية وممارساتنا الحياتية.

 يطرح المؤلف في كثير من استعمالاته للوساطة" بالفن “ و قد يظن البعض بأن المقصود بالفن هو الطرق أو التكتيكات التي تستخدم للرسم أو التمثيل على سبيل المثال رغم أن هذه التقنيات مهمة في إنجاح أي عمل فني ولكن المقصود بالفن هنا في الوساطة هو تحويل المادة التربوية النظرية إلى تطبيق ملموس على ارض الواقع و أيضا الإبداع في خلق وإيجاد الحلول والقدرة على إدارة الذات وإدارة جلسة الوساطة بطريقه مبدعة ومهارة عالية وقد ركز المؤلف على ضرورة وصف الوساطة بالفن لإبداع الوسائل والتقنيات والمهارات الضرورية واللازمة أثناء التعامل مع أي نزاع.

من الأمور الهامة والضرورية الملاحظة في الكتاب أن المؤلف يطرح اسئله كثيرة ومتنوعة ومتكررة جميع هذه الاسئله مترابطة وتقود إلى إدراك القارئ  بالمفاهيم والاستراتيجيات المطروحة في الكتاب  والجميل في هذه الاسئله أنها منظمه تقود القارئ او المختص إلى  إدراك المعلومة بذاته  بل أن هذه الاسئله تعمق  المعلومات المدرجة   وتساعد القارئ أيضا إلى طرح  اسئله أخرى تقوده إلى البحث في كتب أخرى.

مادة الكتاب بشكل عام مادة قيمة ومفيدة وتحوي خبرات عملية كثيرة تساعد المهتمين في مجال علم الوساطة,   خصوصا أن الصراع يشكل ظاهره حقيقية في حياتنا اليومية و في مختلف أشكال أعمالنا اليومية. هل يمكن أن يساهم هذا الكتاب في بناء أرضية خصبة ومفيدة في مجال علم   الوساطة هنا في فلسطين؟؟

  باعتقادي هنالك أكثر من عامل متغير يجب مراعاته أثناء التعامل مع أي ثقافة جديدة أهم هذه المتغيرات قدرة المجتمع المحلي على استيعاب مدخلات هذه الثقافة الجديدة, ومن المعلوم أن  السياق العربي بشكل عام من حيث البيئة والثقافة  يؤثر تأثيرا مباشرا على  على الأدوات المستخدمة في  علم الوساطة  لذا  فمن الصعوبة تجسيد أو تبني فكره علم الوساطة داخل المجتمعات العربية في الوقت الحالي لاختلاف المعايير والسياق بشكل خاص ،  وباعتقادي أن المجتمع الفلسطيني إلى هذه اللحظة غير مهيىء لاستيعاب  ثقافة الوساطة بالشكل المطلوب  بسبب المتغيرات السياسية والأزمات التي  مر ولا زال يمر بها حتى الآن  وأيضا بسبب  التعارض الواضح بين شخصية الوسيط التقليدي والوسيط الحديث من حيث رضاء المجتمع عنه, منزلته العائلية, قدرته المالية, وعمره الزمني.

فالمجتمع الفلسطيني مجتمع عشائري قبلي تتحكم فيه روابط العائلية    ومن الصعب أن تتوفر فرصه أمام   علم الوساطة الحديث أن يأخذ حيزا في مثل هذه القضايا التي تستند إلى العائلية  ، ويتيح  فرصه اكبر أمام الوسيط التقليدي من ممارسه عمله.

وبهذا ففقد غاب  من محتوى الكتاب قدرة  الوساطة  كعلم وفن  على التأثير في المجتمعات القبلية والعائلية كونه يعرض في جميع تجاربه نماذج من الوساطة  التي تتعلق بالشركات أو المراكز الطبية والتجارية ومن حين لآخر يعرض نماذج من الوساطة الفردية   عاكسا بذلك البيئة الغربية اللاعشائرية   , وبهذا تبقى مادة  الكتاب مادة تعليمية ومهارية  قيمة  غير قابله للتنفيذ في المرحلة الحالية داخل مجتمعاتنا القبلية والعائلية. ولاستيعاب مفهوم علم الوساطة  ودمجه في ثقافة المجتمعات القبلية لا بد من إيجاد مقاربه بين  احتياجات الثقافات سواء كانت قبلية أو فردية   ودمج مختص  لثقافه الوساطة التقليدية والوساطة الحديثة بما يتناغم ويتناسب مع هذه البيئات دون أن يشكل ثقافة جديدة غير مقبول بالعمل بها